• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الليلة المشهودة

في تلك الليلة المتلبّدة بالأخبار الحزينة تغفو المدينة المضطربة على أنباء المرض الذي أثقل رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)حتّى يغشى عليه ساعة بعد ساعة، وآهاته (صلى الله عليه و آله وسلم) تتصاعد في أجواء ذلك البيت الكئيب الذي ضمَّ الهاشميين من آل عبدالمطلب الأقربين، أمّا اُولئك الأباعد منهم، فهم يخوضون في أخبار إفاقة النبيّ من غشيته التي تراوده بين الحين والآخر، فيتلمسون الأنباء من عليّ، فيما آلت إليه صحّة النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) وما نجمت عنه تطورات مرضه الذي أثقل أرجل القوم عن النهوض من حجرته، لولا ما يرونه من حرصهم على أن ينفرد به أقرب الناس إليه: ابنته فاطمة وولداها وصهره عليّ، الذي ما برح النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) في حجره بعد إفاقته ليتشاور مع عليّ بأُمور خفيت على الجميع، ثم يناجيه ساعة بعد ساعة، ثم يهمس في اُذنه ويشير إليه بما يوحي للجميع أنّ أمراً عظيماً سيعصف بالمسلمين، لينقطع عنهم وصل السماء الذي ما برح جبرئيل يوصله متى ما اقتضى ذلك الأمر العظيم إلى الايحاء.
وليس المسلمين اليوم ما يشغلهم عن أنبائهم وما يتعلّق بشؤونهم سوى مـا سـيـؤول إلـيـه المصيـر المحتـوم، مصير الرحيـل النبويّ وانقطاع خبر السماء، وآية دهماء هي ستحوّل نهارهم إلى ليــل سرمديٍّ بُعيد ساعاتٍ من الهزائز تعصفُ بكيانهم العظيم، وأية هجعة تأخذ أحدهم ليعانق حليلته في تلك الليلة الصارمة الحازمة التي تُخبّئ لهم مفاجئات مثقلة بأحلام سوداء، وأي إنسان منهم يصبو إلى ما يحلّ في عياله بعد ما يحلّ برسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فكأن النوم عليهم حرام، وقد قاطعوا من لذائذ المطعم والمشرب ما بدى على وجوههم من شحابة يشوبها ذعر المجهول، ولعلّهم انقطعوا في هذه السويعات القلائل عن كل ما يطمح إليه أحدهم من هجعة نوم، أو كسرة خبز يسدُّ بها رمقه الذي اُحيل إلى حنظلٍ لا يستسيغ معه حلاوة العسل المصفّى.
وينطلق أبو بكر ليرحل من المدينة في تلك الليلة الظلماء التي ستعلن بالمسلمين نبأهم المشؤوم، وتعصف بسعادة هؤلاء الذين يرتعون في شذى العبير النبويّ وهم بعيدون حتّى عن مشارف المدينة سوى ما تغفو عليه أرواحهم من الحبّ والشوق النبويّين(1).
يغادر أبو بكر المدينة في تلك الليلة ليطمئن على أهلـه بالسُنح ـ موضعٌ خارج المدينة ـ وقد غادر أبو بكر المدينــة بعد أن استأذن النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) بالخروج، كما عن ابن هشام في سيرته: قال أبوبكر: يانبيّ الله، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما  نحبّ واليوم يوم بنت خارجة، أفأتيها؟ قال: نعم. قال: ثم دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) وخرج أبو بكر إلى أهله بالسُنح(2).
وأي شأن لبنت خارجة لدى أبي بكر حتّى يترك ماهي عليه الأحداث من ارتطام الأخبار المتضاربة وهياج المسلمين واضطراب القبائل المحيطة بالمدينة، وتحسب الآفاق الإسلامية، وانشداد دول الجوار إلى ما سيؤول إليه الغد المفجع من الرحيل بانقطاع خبر السماء، ومن غير اللائق بالعامة من الناس أن يغضّوا ما هم عليه من الأنباء الغريبة والأخبار المتوقعة لرحيل النبيّ الوشيك، فما بالك بذوي الشأن من هؤلاء ليرتحلوا إلى بيوتاتهم فيعانقوا حلائلهم دون أدنى قلقٍ أو توجّس لما سيؤول إليه صباح اليوم الحزين؟!
وهل ترى أنّ أبا بكر قد أقلقه مصير إبنة خارجة ليتطلع إلى أخبارها ويتشوّف أحوالها والنبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) مسجّى بين أهله يُغشى عليه ساعة بعد ساعة وأربأ عن أبي بكر هذا التسرّع لافتضاح أمره بين المسلمين بادياً قلقه على أهله ومصيرهم، دون مصير النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) وأمره ونهايته، فأبو بكر يدرك أنّ الأمر على خطورته لا يسمح بالسنح أن يبيت فيه ومصير الدولة الإسلامية يجهله ذوو الطموح السياسي، ما لم يكن من وراء الأمر أمرٌ آخر أخطر وأفظع من ذلك، ونحسبُ أنّ أبا بكر قد عقد لقاءاته مع تحالفات القبائل القريبة من المدينة كأسلم، ليسلم له الأمر ولأصحابه الذين دبّروا الأمر بليل، وبيّتوا للأحداث الحاسمة ما يناسب خطورة الموقف المجهول، فأبوبكر غادر المدينة مفاوضاً على اللحظات الحاسمة مع قبيلة أسلم المنتصرة له ولأصحابه، وعمر بن الخطاب يراقب الحدث المفجع الذي ستصبح عليه المدينة بعد رقدتها من هزيع الأحداث التي حُبكت قبل رحيل النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم)، بل قبيل وفاته، وأبو عبيدة الجرّاح في وجلٍ يجوب أطراف المدينة، ليتحسس الأخبار القادمة بصيحات تنطلق من دار النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) معلنة اغفاءته الأبدية، ليوصل الأنباء عن كثب إلى عمر بن الخطاب الذي لايقرّ له قرار بعد غياب أبي بكر المفاوض الناجح مع أسلم لتسلم بذلك خطة التدبير.
فالقوم سيجنون حصيلة أعوام من التخطيط لهذا اليوم المشؤوم، والتدابير الأمنيّة تسير بتؤدة لتراقب الأحداث، فالخطة الثلاثية - على ما يبدو - ستجني ثمارها بعد سويعات، والتحالفات بين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة قد أخرجت قرنيها من بين الأحداث الآتية بعد حين، أو صباح السويعات القادمة، فلا يبقى بين جهد هؤلاء وجني ثماره حتّى ساعة واحدة من الصباح ليتنادى بعد ذلك بيت النبوّة برحيل النبيّ العظيم.
ويفزع المسلمون على نبأ الرحيل، وتتزلزل المدينة تحت أقدامهم، وتربد السماء بما لا يعهده الناس من تلبّدٍ ينذر بالعاصفة القادمة، وعليّ يبكيه بما تبكيه ملائكة السماء، فإنّ لعليّ في الرحيل النبويّ معنى لا يحسنه الآخرون، ولا يدركه الباقون، فإنّه لا يعرف فاجعة الفقدان غير من عرف النبيّ بحقيقته، أمّا هؤلاء فإنّهم يبكون على فقيد، ويتباكون على مفقود.
ولم يكد عمر أن يسمع بانتشار خبر وفاة الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) حتّى تهدّد وتوعّد من أذاع ذلك، وبدا للناس في موقفٍ مريب لا ينبغي لابن الخطاب أن يشهر سيفه ليعاقب من أذاع خبر الرحيل، فهو يجول ويخور متوعداً من صدّق بوفاته (صلى الله عليه و آله وسلم) وأوعز ذلك إلى قوم من المنافقين يزعمون موت النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم)، فقال: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) قد توفي، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات، والله ليرجعنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) كما رجع موسى، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)  مات(3).
ولم تدرك ابن الخطاب الفطنة في هذا الموضع بقدر ما كان بسيطاً، فالنبيّ مسجّى بين أهله، والمسلمون ينظرون إليه لا تهدأ لهم عبرة، وجسده الشريف تحت أنظارهم الباكية، فما بال ابن الخطاب يكذّب أبصار القوم ليموّه عليهم أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) غاب كما غاب موسى عن قومه، أوَ ليس موسى رحل بجسده وروحه عن دراية قومه فخلّف عليهم هارون وأوصاهم باتباعه حتّى رجوعه، فكيف والنبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) قد فارق الحياة ليقارن ابن الخطاب موت النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) برحيل موسى وغيبته عن قومه؟.

إنّه صخبٌ أزعج المسلمين وهم في حال لا يحسبون
لهذا الهـوس مـن حساب، وهـم في شغـل عـن مـشـاغـبـات

عمر وضجيجه المعروف، وكأنّ الخطة لم تكن محكمةٌ، أو الحبكة لم تكن متقنة، فابن الخطاب أراد أن لا يُذاع نبأ الرحيل النبويّ حتّى يرى حليفه أبو بكر وسط الأحداث الهائجة، وتدارك أبوبكر ما اضطرب فيه ابن الخطاب، ليُعيد الأُمور إلى واقعها، وليرتق ما فتقه عمر في مقالته، فكان أبو بكر حكيماً في تدارك هفوة حليفه التي أثارت استياء المسلمين، ومقتهم لما أقدم عليه عمر ليفرض رأيه على جموع الصحابة المنكوبين بالجلل الفادح، والمصاب العظيم.

*  *  *

دخل أبو بكر على رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) ورسول الله مسجّى في ناحية البيت عليه بُردُ حبرة، فأقبل حتّى كشف عن وجهه، ثم أقبل عليه فقبّله، ثم قال: بأبي أنت وأُمّي، أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً، قال ثمّ ردّ البرد على وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) ثم خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: على رسلك ياعمر، أنصت، فأبى إلاّ أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لاينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيها الناس، إنّه من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت، قال: ثم تلا هذه الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } .
فوالله لكأنّ الناس لم يعلموا أنه هذه الآية نزلت حتّى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، قال: فقال أبو هريرة: قال عمر: فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتّى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، عرفت أنّ
رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) قد مات(4).
ولم يُجِد عمر دوره، فقد كان في حركاته وصخبه مضطرباً أوهن ما عزم عليه أبو بكر من استرسال المسألة هكذا دون تكلّف، إلاّ أنّ الذي حمل ابن الخطاب على إداء هذا المشهد غير الموفق قلقه من عدم وصول أبو بكر مع قبيلة أسلم التي سترابط عند المدينة لتتلقّى إيعاز التحرك عندما يتطلب أمر الانقلاب ذلك.
وما أصفق الراوي حين يستجهل الجموع الغفيرة من الصحابة الذين حفظوا القرآن وأوقروه في صدورهم، ثمّ هم تفوتهم آية من القرآن ينبّههم إليها أبو بكر ـ وكأن الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت حتّى تلاها أبو بكر ـ هذه هي سذاجة التاريخ حين يحيله أهله إلى أحاكي يتندّرون بها، وهم يؤرخون لأفظع قضية حلّت على المسلمين ذلكم هو رحيل رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم).
وينشغل عليّ بتجهيز الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) وحده، كما انشغل الأنصار الخزرجيين في «مؤتمرهم التأسيسي» لخلافة الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) في مسجده الجامع، ولعلّ سعد بن عبادة بادر إلى أن يأخذ بيعة المسلمين ليقطع الطريق على خطة التحالف الذي يتشاور فيه أهل السقيفة في كيفية إعلان البيعة واستراقها.
*  *  *
في هذا الجوّ المفعم بالحزن، يضطرب المتحالفون فرطاً ممّا هم فيه، إذ كيف يتركون سعداً يحوزها لنفسه دون المهاجرين الحليف الضعيف اتجاه سعد الخزرجي سيد المدينة وشريفها، وفي أجواء التوتر السياسي المشحون بالتنافس لأخذ البيعة لأي الأطراف الأقوياء، حيث يضطرب المشاغبون في هذا الجو القديسي الذي يُنزل عليّ(عليه السلام) جسد رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) إلى مثواه الأخير ليهيل عليه التراب، وقد أهالوا أصحابه التنافس على خلافته دون رويةٍ ولياقة تختصر معها تاريخ أحداث مشوبة بالقلق والاضطراب، ومن ثمّ إراقة الدماء وهتك القيم والأعراض .
كان الجوّ متوتراً، بل موتوراً بكل ما يحمله المستقبل المجهول من منافسات سياسية، ومجموعة السقيفة لا تقوى الخروج من مخبئها والأحداث تسير حثيثة لصالح سعد وخزرج سعد، فالخلافة لا تكون إلاّ في قريش من آل أبي طالب، وإذا تجاوز هؤلاء شرط الطالبية في عليّ(عليه السلام) فلأليق الناس حسباً ونسباً، وسعدٌ منافسٌ قوي، فهو سيد الخزرج ومن الذين دعا النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) ليحلّ في مدينته المباركة، والهاشميون لا يعدلون بعليّ(عليه السلام) أحداً، بل الأنصار جميعهم، والذين عرفوا عليّاً(عليه السلام) وقربه من رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) لايقدّمون على عليّ(عليه السلام) أحد، ولا يتقدّمون عليه مهما هالهم من أمر التنافس أو التحاسد أو الغبطة لهذه المهمة الإلهية.
والاُمويون إذا لم يروها فيهم وهم من قريش، فلا أقل أن لايقبلوها في أضعفهم، ولم يهدأ لأبي سفيان بال، حتّى كاد أن يملأها خيلاً ورجالاً، فما بال هذا الأمر في أقل حيّ من قريش؟!(5).
ولم يكن الزبير ـ وهو ابن صفية عمّة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)  ـ قد رضي من نفسه أن يكون تحت أمرة أذناب قريش من تيمها وعديها، فهو ابن صفية بنت عبدالمطلب، فإذا تعدّى الأمر عن عليّ(عليه السلام) فلا ينبغي أن يتعدّى عن ابن صفية ولا زال سيفه تصطبغه دماء المشركين يوم ذبّ الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)  وليس لأبي بكر وعمر وابن الجرّاح وغيرهم شأنٌ في حربٍ أو مكرمةٌ في سلام أو داعيةُ أمنٍ أو حمىً في ذمار.
وليس للزهريين من سعدها وابن عوفها رضاً في دخول هذين الأرذلين من تيم وعدي، فإنّ لعبد الرحمن بن عوف تجارة الحرم وأموال مكة، وهو لايزال يفاخر بما لديه من العدّة والعدد طامحاً لرئاسة أهله أو حمى ذماره، وفي سعد بن أبي وقاص أنفة الزهريين الذين يفخرون بمصاهرتهم لعبدالمطلب من ابنه عبدالله ليكونوا أخوال النبيّ  (صلى الله عليه و آله وسلم) وعصبته.
هذا حال المهاجرين والأنصار يطمحون لئلاّ يتقدمهم أحدٌ في كل شيء، وكان أبو بكر وعمر  وأبو عبيـدة بن الجـراح يستشعرون هذا النقص، وينظرون إلى أنفسهم بما لديهم من عقدةِ دونية النسب ودناءة الحسب، فهم لا يقوون أن يتقدموا على أحدٍ من اُمور المسلمين، وقد أحسّوا ذلك في حياة النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) وعانوا من قبَليّة شديدة التعصب للحسب، طيعته كريمة للنسب، وهذا شأن مكة وكذا المدينة، بل الجزيرة كلّها، لا يتقدمهم من هو أدنى منهم في كل شيء.
إذن فما العمل والأيام تتسارع لصالح التحالفات القبليّة، ولايزال هؤلاء يئنّون تحت وطأة دونية القبيلة ووضاعة الحسب، حسبما تعارف لدى أعراف الجزيرة ذات الوطأة الشديدة في تحالفاته، إلاّ أن يتحالفوا جميعاً؛ أي أن يشكّل أبوبكر التيمي مع عمر العدوي مع أبي عبيدة بن الجراح ـ الذي كان يعمل حفّاراً لقبور قريش المكيين كما كان أبو طلحة زيد بن سهل حفّار أهل المدينة لقبورهم - مع سالم مولى أبي حذيفة ذي الطموح العريض والنسب الوضيع والحسب الدنيء، فيتحالفوا على أن يشكّلوا حزباً، أو قُل تحالفاً، أو قُل حركةً سريةً تعمل في الخفاء ليحصلوا على طموحاتهم المستقبلية، وهذا هو سرّ تحرّكات أبي بكر وعمر المزدوجة في كل شاردة وواردة حتّى لا يكاد التاريخ يذكر واقعة إلاّ أبو بكر صاحبها، وعمر حليفها، وأبوعبيدة أمينها، وعلى هذا فقس.

*  *  *

في خضمّ بيعة الأنصار الخزرجيين لسيدها سعد، وعليٌّ مشغولٌ بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) يتجه ثلاثي السقيفة إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فيجدون سعداً دنفاً، والأنصار يعطونه البيعة بعد أن رضوا بما رضي بها سيّدهم سعداً. ولمّا لم يجد أبو بكر مندوحة عن إثناء سعدٍ عن البيعة وكفّ الخزرجيين أيديهم عن مبايعته، تحركت قوات «أسلم» تلك القوة العسكرية المتربصة على مشارف المدينة، فجاءها أمر الهجوم على المدينة بما أفزع أهلها المفجوعين بموت نبيّهم، وأهله المشغولين بإقباره ودفنه إلى مثواه الأخير، إلاّ أنّ السقيفة باغتت حالة المسلمين الاستثنائية.
فروى الطبري عن أبي مخنف، قال: حدثني أبوبكر بن محمّد الخزاعي: أنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتّى تضايق بهم السكك فبايعوا أبابكر، فكان عمر يقول: ما هو إلاّ أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر(6).
ولم يكن لأسلم قبيلة أصحاب السقيفة وقوّتها الضاربة تتحرك حتّى تجاذب القوم السباب بينهم دون التفاوض، والتهديد دون أدنى شكٍّ من وقوع النازلة واضطراب الأمر.
قال أهل السير: فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي وعصّبته بعصابـة وثـنّت لـه وسادة، وبلـغ أبا بكر وعمر  والمهاجـريـن، فأتـوا مسرعين، فنحّوا الناس عن سعد، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا: يا معاشر الأنصار منّا رسول الله فنحن أحقّ بمقامه.
وقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير.
فقال أبو بكر: منّا الأمراء وأنتم الوزراء.
فقام ثابت بن قيس بن شماس وهو خطيب الأنصار، فتكلم وذكر فضلهم.
فقال أبو بكر: ما ندفعهم عن الفضل وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل، ولكن قريش أولى بمحمّد منكم، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله: اللهم أعز الدين به، وهذا أبوعبيدة ابن الجراح الذي، قال رسول الله: أمين هذه الأمّة، فبايعوا أيهما شئتم، فأبيا عليه وقالا: والله ما كنّا لنتقدمك وأنت صاحب رسول الله وثاني إثنين، فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر وثنّى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش(7).

*  *  *

والطريف في أمر أبي بكر أنه احتجّ بالنصّ والقرابة.
أمّا القرابة لرسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فقوله: «نحن أحقّ بمقامه».
وأمّا النصّ، فقوله أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله وسلم) قال في عمر: «اللهم أعز الدين به».
وفي أبي عبيدة بن الجراح قوله (صلى الله عليه و آله وسلم) فيه: «أنه أمين هذه الاُمة».
وإذا كان الأمر كذلك فعليّ أولى بالقرابة، وأحقّ بالنص، فهو ابن عمّه وصهره من ابنته فاطمة، وأما النصّ فقوله: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» وغير ذلك من النصوص: العشرات، ولعلّ أبا بكر اختلط عليه الموقف وهاله الخصام، وأعيته الحجّة فحاجّ الأنصار بما هو حجّة عليه وعلى أصحابه.
هذا هو الموقف الساخن، مرجلٌ يغلي بالمنازعات، والسيوف في مقابض أصحابها تتربص أمر المنازلة، والدماء تغلي لتُراق على أمر محسوم لصالح عليّ(عليه السلام) بشهادة الجميع، فعلام هذا الصراع والخلاف؟!.
وعلام هذا الهياج والغليان؟!
وهذا ما دعا ابن العبري أن يختصر الموقف بقولـه: أعظم خلاف بين الاُمة الإسلامية خلاف الإمامة وعليه سلّت السيوف(8).
ويتمّ الأمر لصالح السقيفة حيث يتمّ الإنقلاب تحت وطأة السيوف، ويصل الأمر إلى عمر بن الخطاب بوصيةٍ من أبي بكر ردّاً للجميل، أو قُل وفاءً بما تعاهد عليه الطرفان ويكون لعثمان نصيب المشورة بعد أن خطّط لها عمر ونفذّها عبدالرحمن بن عوف، ليكون عثمان الخليفة دون إجماع المسلمين ولا اجتماعهم على أمرٍ هم ناكروه.
وينعزل عليٌّ(عليه السلام) عن تلك الأحداث الهائجة التي تسحق معها دين الله، ويتحاشى الدخول فيما دخلت تحالفات هؤلاء ويتربّص صابراً، وينتظر مجاهداً في عين الله.
وتعصف الأحداث الهائجة بعثمان، ليقرر المسلمون عزله فإن أبى فإقامة الحدّ لما أباحه من حرمة الخلافة وكرامتها، ويتحالف المصريون مع أهل الكوفة، والمدنيون مع أهل البصرة ليحملوا عثمان على الاعتذار على ما فرّط في جنب الله، وردّ المظالم إلى أهلها، والحكم بكتاب الله وسنّة رسوله، ولم يستجب عثمان بعد ما استجاب لغيّه مغبّة مشاورة حاشيته، كمروان بن الحكم وبني معيط ومن لفّ لفّهم من المرتزقة، وينتهي الأمر بتحريض عائشة على قتل نعثل ذلك اليهودي الذي شبهت به عثمان، لينحاز الزبير وطلحة إلى الثوار فيقفان لمراقبة الأمر، ولم يكن معاوية بالمستجيب سراعاً لنجدة ابن عمه، فلم يحرّك ساكناً، بل جعل جيشه على مشارف العراق يستشرف الأمر لئلاّ يخسر صفقة اللعبة، فإنّ اللعبة لا تتم إلاّ بمقتل عثمان، ومِن ثَمّ يثأر ابن أبي سفيان لدم ابن عمه المطلول بين عائشة والزبير وطلحة من جهة، وبين الثوار الذين سئموا حياة المزايدات في تعيين خاصته وحبوة أصهاره، واتخاذه مال الله دولاً وعباد الله خولاً.
وتبدأ فصول اللعبة بكل حيثياتها عندما يتبنّاها المرء وهو في أوج مزايداته مع مبادئه، بل حينما يجد الإنسان نفسه مخذولاً من قبل أمانيه ومكائده لينشط لديه عقال الغرور، كما نشطت لديه الرغبة في مسخ تلك الإنسانية المهدورة.
وينثال الناس على عليّ(عليه السلام) بعد تجربة ثلاثة عقودٍ من عقود طيش الحاكم لينفذه في غفلة محكوم.
ولم يستخفَّ عليّاً(عليه السلام) لبيعة الناس بعد أن استخفوا بحقّه المهدور. ويقبض عليٌّ(عليه السلام) يده المبسوطة بما للمشورة من شأن النصح في قهر الصعاب التي تحوم على خلافة الثلاثة، فيقترح عليهم بالرأي ما يقترحون عليه بالمشورة، فحقّه المهدور لايمنعه من بيان الرشد عند تعاور الاُمور، وحظّهُ المهضوم لا يُسكته عن جميل العرفان في تيسير دولة الاسلام لا خلافة تيم، أو ولاية عدي، أو سلطان آل أبي معيط، ويبقى عليٌّ(عليه السلام) الخليفة في إدارة شؤون الدولة منذ أن غفت عينا الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) وشحّت عليها نفوس قوم حرصوا على الإمارة فزانته اغتصابهم لها بما يزين المهضوم إرثه المغتصب وحقه المهدور، ويتطلّع بكل رجاحة رأي أن يكون خليفة المهام الصعبة لا سلطان المصالح المغتصبة ويبقى عليٌّ(عليه السلام)، عليّاً(عليه السلام) يدير الاُمور كما يدير الراعي شؤون رعيته من وحشة الغاب في ليلة ظلماء، ويبقى عليٌّ(عليه السلام) بعد الرسول كما هو إبّان حياته النبويّة الشريفة يناجيه ويشيره ويدنيه، ليكون خليفته وصاحب سرّه والمدبِّر لشؤون الأمر من بعده.
إذن لم يكن عليّاً(عليه السلام) خليفة منذ أن انهال عليه الناس يلتمسون لهم إماماً ويرجون قائداً ويبايعون خليفة، بل عليٌّ(عليه السلام) أسمى من مبايعة هؤلاء النفر من الذين استهوتهم صيحات القوم وزبرجة التحالفات وزهو الشورى وبريق إجماع أهل الحلّ والعقد، بل عليٌّ(عليه السلام) هو عليٌّ(عليه السلام) لم تزده فرقة الناس عنه وحشة، ولم يُزده إجتماعهم عليه عزّة.
وينصاع عليٌّ(عليه السلام) للأحداث التي لم يشهدها الإسلام منذ ولادته.
فالتجربة الجديدة في انتخاب عليّ(عليه السلام) خليفة لم يحظَ به الأولون، ولا يحظى بها الآخرون، وشعارات الإجماع وعناوين الشورى خلف جدران سقيفة بني ساعدة تُهتك حجبها دعاوى إجماع أهل الحلّ والعقد، فيكون عليّ(عليه السلام) أول من ينتخب بانتخاب شعبي لم يشهده العالم من ذي قبل وتنتهي حقبة السطوة بالسيف، والخداع بالشعارات البراقة من شورى أو إجماع.
وتعلن الخلافة عن حظوتها باستقرارها في عليّ(عليه السلام) المهدور الحقّ، المغبون الرأي، ويكون عليّ(عليه السلام) الخليفة كما كان هو الخليفة، ويكون الإمام والقائد والراعي كما عهده المسلمون منذ عهد النبوّة قبل تحالفات الأحزاب.
ويفتتح عليٌّ(عليه السلام) عهده الجديد بمحاسبة كل متجرئ على منصب الإسلام أو حائز بغيرحقّ ولاية مال، أو إمارة سلطان، فيعلن عزلهم عن مناصبهم، بل يحوز ما في حوزتهم من أموال المسلمين ليضمّها إلى بيت مال المسلمين، وينصاع الجميع لأحكام عليّ(عليه السلام) الصارمة في ذات الله، وينخذل معاوية بن أبي سفيان في طاعة الإمام، وتكبر لديه عقدة الإثم، وضخامة الجاه، وحبّ المنصب، وعدوة السلطان، فيتصالح مع عليّ(عليه السلام) على أن يعفيه بما لديه من مال ويتركه في سلطان آل أبي معيط متنعماً بدمشق الشام وحرير الرومان، وقصر الخضراء يحفل بمغنيات الهوى وبائعات المجون، وجياع الناس وضعفة المسلمين يموتون جوعاً من حرمان الحقوق وضياع المظالم.
فما بالك في عليّ(عليه السلام) لقرّ له قرار الظالم على المظلوم، أو المتخم على سغوبة الحرى في شظف عيشٍ تترخصُ معه النفوس، لتزهق به أرواح المظلومين، آل أبي سفيان يحيون بلياليهم الحمراء قصر الخضراء الذي عجّ بكل ذي بطنةٍ، والوجوه السخمة تحيط بنفايات أسمطة البذخ ليتحرى بُذلة التقمم ما يقيم به صلبه، ويُسكن روعة رضيع قد هاله ظمأ الرضاع، أومرضعة مُسبغةٍ تُجيل النظر في كفيلها ليجول شوارع دمشق الحمراء وباحات الخضراء علّهُ يتقمم، كما تتقمم الكلاب السائبة في ظلمة الليل البهيم.
هذه هي عدالة ابن أبي سفيان حين أمّره الخليفة الثاني كسرى العرب ووالي الشام، بل الخليفة المطلق في عرض خلافته والياً يحكم باسمه، غير خاضع لقانونٍ أو مستسلم لدستور، بل هو خليفة الشام المطلق يدّخرهُ لدولةٍ مؤسساً على أنقاض ما سيؤول الأمر في مستقبل العاجل من الأحداث المبهمة.
وكان عثمان بن عفان قد أقرّ ما في يده من القوة والسطوة والحظوة لولاة الدولة الإسلامية الخاضعين لسلطان الخليفة خلا معاوية، فإنّه الحاكم والخليفة والوالي في حقبتي الأحداث الإسلامية من خلافة الثاني والثالث، فكان معاوية والياً متميزاً يملك من صلاحيات الخلافة ما لا يملكه سوى الخليفة، بل حتّى الخليفة يقصر عمّا تناله يد معاوية وسطوته الكبرى.
هكذا هو معاوية يرى نفسه خليفة الأحداث المرتجلة، بل قلُ الأحداث المرسومة منذ أمد الخلافة الثانية، مدخوراً لتأسيس دولة تنافس، دولة الشرعية التي يتزعمها عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في الزمن الآتي من الأحداث التي خبرها ابن الخطاب وغيره من فريق السقيفة.
وإذا كان هذا حال معاوية بن أبي سفيان، فكيف يقرّ له قرار البيعة إذا رضي ابن أبي طالب ببيعته، أو الطاعة في الانعزال والرضا بما رضي به الخليفة الجديد من الإقرار بالطاعة والولاية لقانون الدولة الجديد الذي يُلغي معه ما تلغيه شرعية الحاكم دون أن يستند هذا الوالي إلى حاكمية إلهية يأخذها من صاحب الخلافة الشرعية.
إذن لم يكن ابن أبي سفيان بالوالي الذي يقرّ ولايته الخليفة الشرعي، وإذا كان هوس الحكم وجنون السلطة يستحوذان على رجلٍ لا يملك سوى التحكّم برقاب الناس، وراثة من أبيه الذي كان يُعطي الحق لنفسه حاكماً في قريش وسيدها دون منازع، ولم تقرّ له قريش قرار الزعامة في وفرة الأسياد المتسلطين حقاً بقبائليتهم المعهودة.
وأبو سفيان لم يكن إلاّ راعياً لعير قريش يستأجره أسيادها بين رحلتي الشتاء والصيف، سائقاً لإبلهم حافظاً لما تجنيه تجارة الرحلتين، فيكون بعد ذلك أجيراً لأسيادها، مأجوراً لإبلها حافظاً لذمام اُولئك العبيد أو المرتزقة الذين يسوقهم أبوسفيان متحكماً فيهم متسلطاً عليهم، حتّى إذا كانت وقعة بدرٍ الكبرى كان أبو سفيان محرّضاً لعصبية قريش مستنجداً بقبليتهم، داعياً لمناجزة محمّد (صلى الله عليه و آله وسلم) الذي اعترض عيرهم، ففرّ أبو سفيان بجلده صائحاً بنخوة القبليّة مهرّشاً بين الفريقين، عندها عُرفَ أبو سفيان الأجير على عير قريش، فلم يُعرف سيداً، بل عُرفَ أجيراً وضيعاً.
هذا هو أبو سفيان، وقد ظن بعد ذلك ابنه أنّ له الحقّ في زعامة قريش، أو في قيادة أجنادها المسلمين، وقد نسي أنه وأبوه طليقا عفو النبيّ لا يحتملان من أمرهما غير الطاعة والسكون لما تؤول إليه اُمور المسلمين وما يقرّره أهل الحلّ والعقد أو حاكمية الخليفة الشرعي، حتّى يرى معاوية بن أبي سفيان وقد انتفخت أوداجه بأحلام الحاكم والسائس بعد أن سمع من الخليفة الثاني مايثني عليه من كبره وتفاخره لـيُلقي إليه لقبُ «كسرى العرب» مفتخراً بما يعيث معاوية من الفساد بأموال المسلمين وأنفسهم، فكيف يرى معاوية بعد ذلك وقد أقرّ له عمر بن الخطاب استقلاليته في شام المسلمين وغوطتهم وما تحوزه القدس من فلسطين الكبرى التي تضم فيما تضم ولايات رومية يتسع مداها إلى أن تُليق بمملكة كبرى أو امبراطورية طائشة تتربصُ بما يحاذيها من بلدان، لينصاع إلى قرار عليّ(عليه السلام) في الانعزال وتسليم ما في حوزته من أموال ومغادرة قصر الخضراء وترك خزائن الشام ومعطيات غوطتها؟!
وكيف يقرّ لعليّ(عليه السلام) قرار، ليرى ما عاث به ابن أبي سفيان من التهوّر واللامبالاة في مراعة أحكام الله عند ولايته الشام؟ إذن فما الحلّ والاُمور تتصاعد بين الطرفين، فلا عليٌّ(عليه السلام) يقرّ لطيش معاوية، ولامعاوية بالذاعن لحكم عليّ الخليفة الشرعي والإمام القائد.
هكذا كان الأمر، فإنّ صفين الواقعة على ضفاف الفرات العراقي تستعدُّ للمناجزة وتصفية حساب الفريقين، وابن أبي سفيان اختار صفين ليشاغل عليّاً(عليه السلام) وجيشه القادمين من المدينة فيستغرق الأمر أياماً أو قُل بعض شهر، ليصل جيش عليّ(عليه السلام) مناجزاً جيش الشام.
ولا يخفى ما لقرب المناجزة من الأهمية لدى قادة الجيوش، فإنّ اختصار المسير للوصول إلى الهدف أمرٌ مهمٌ لدى هؤلاء، ووصول الميرة والعدّة والعدد قضيتان يحسبان لهما حسابهما، وما الكوفــة إلاّ عاصمـة المـنـاجـزات الخاطفـة،  والحمـلات العسكرية السريعة، فالعراق مهدّدٌ بمطامع معاوية، والكوفة ترفل بولائها لعليّ(عليه السلام)، والعدّة من الأشداء المناجزين لأهل الشام تضمّهم كوفة الجند يوم أسّسها عليّ(عليه السلام) على عهد عمر بن الخطاب(9)، وولاء الكوفيين من قبائل العرب وجند الحمراء تشحذ سيوفها لمنازلة هؤلاء المتمردين من أهل الشام الذين طمعوا أن تكون عاصمة الدولة دمشق دون الكوفة أو المدينة، ولا ننسى ما للمدينة من ولاءاتٍ متناثرةٍ بين أطراف الأهواء السياسية المرتجلة، أو المحسوبة على المناوئة لعليّ(عليه السلام) أو المعروفة بطيها كشحاً عن حقّ عليّ(عليه السلام)، أو الاعتراف بأحقيته، أو المتربصة له الدوائر، أو الطافحة في عداءاتها له، أو المناصرة لأية جهة تقف دونه حائلاً للنصر، أو تبوء مكانته .
هذه هي المدينـة تتراجـع يومـاً بعد يوم في تحالفاتِ غـدرٍ ومكرٍ ضدّ عليّ (عليه السلام) وحقه المهدور، بل هي تتحالف لتكون العقبة في تقدّم الأمر إليه، ولا تفوتنك مكة فإنها تُحيق  بأهل هذا البيت مكراً، فالقبائلية لاتزال تأخذ مكانتها من قلوب المكيين، وسيف عليّ(عليه السلام) لايزال يقطر من دماء الآباء، ولم تنس مكة أراملها وأيتامها سطوة هذا السيـف يـوم كـان الـفـتـح يـشـارق أسـوارها، والطلـقـاء المكيّون لا يحمدون للرسول ولآله موقفه من تحريرهم بالإسلام فألصقت بهم وصمة الطلقاء، ولا تزال المنّة في أعناق هؤلاء لآل الرسول  لايغسلونها حتّى لأجيالٍ من الأبناء الذين كلما يرتفعون فلا يجدون لهم محطاً إلاّ أن يكونوا أبناء طلقاء الذين منّ الله عليهم بنبيّهم (صلى الله عليه و آله وسلم) فأعتقهم، هذه عقدة المكيين من رسول الله وابن عمّه عليّاً(عليه السلام)، وهذه دسائس المدنيين بعد أن تحزّبوا لمن قبلهم، فلا يبقى مكان لعليّ(عليه السلام) يمارس حظّه الأوفر من إبداع المصلح، أو سياسة القائد أو نفثات القديس،ينفثُ في روح الأجساد البالية بجاهليتها.
ولم يبق للكوفة سوى حظ الاحتفاء بعاصمة عليّ(عليه السلام)، ذلك القائد والخليفة الذي تكالبت عليه أحزاب المصالح والقوى لتحكم مذعنة بحظها الأوكس، وعليٌّ(عليه السلام) يفارق العاصمة التقليدية ليؤسس عاصمته في قلب الأحداث.
وبالفعل، فستكون الكوفة عاصمة قرارات الحرب، كما هي عاصمة قرارات السلام، وستكون بلد المناجزات العسكرية، كما هي بلدالتحالفات الطبقية من حمراء الديلم إلى قبائل العرب حتّى أساورة الفرس وسيابجة السند، هذه هي الكوفة المتلونة بقبائليتها، فضلاً عن أذواقها غير العربية وتحالفاتها العرقية المليئة بالمفاجئات.. إنها حقاً بلد لا يقودها إلاّ مثل عليّ(عليه السلام) المبدع في الإدارة، كما هو المبدع في ساحات الوغى ومناجزة الأقران .
تتحرّك جيوش عليّ(عليه السلام) إلى حيث صفين لتناجز اُولئك الشاميين الذين أرادوا أخذ المبادرة في السطوة على الموقف لئلاّ يبادر عليّ(عليه السلام) مرة اُخرى في إعلان عدم شرعية معاوية ويشاغله، ليبعد أذهان السذّج من أتباعه عن السماع إلى حجة عليّ(عليه السلام) في تسوّر معاوية على ولاية المسلمين وليشغل الرأي العام عن عدم مشروعيته إلى الانشغال بحرب لا يعرفون أولها من آخرها، ولا مبدأها من منتهاها، فهم يُزجون في لهيب حرب ضروس تأكلهم دون رحمة، وتطحنهم دون هوادة، ولا يعترضون على معاوية في هذه الحرب، وما هي شرعيتها؟!.
ومن هو معاوية حتّى يُقرن بعليّ(عليه السلام) ؟!
إنّهم مغفّلون حقّاً، فصفين شغل معاوية الشاغل لايقرّ قراره منها، ولا يستريح عن مناجزة الكوفيين فيها، فقد صارت لعنته الأبدية كما هي لعنة الشاميين لئلا يثير عليٌّ(عليه السلام) عدم مشروعية معاوية في ولايته الشامية.
*  *  *
وبعد حيث ينحدر جملٌ أهوج من تحالف ثلاثي تقوده اُمّ المؤمنين وهي تقرأ قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } حتّى زحزحتها فتنة كبشي قريش طلحة والزبير  اللذين بايعا عليّاً(عليه السلام) طوعاً وحرّضا المسلمين على عزل عثمان وقتله، فلم يستجب عليٌّ(عليه السلام) لطموحاتهما في امارتي البصرة والمدينة، وخابت أمانيهما في امارتين كانا قد بيّتا لهما من ذي قبل ظناً منهما أنهما يسعدان في مساومتهما لعليّ(عليه السلام) قُبالة بيعتهما له، إلاّ أنّ ذلك لم يقنع عليّاً(عليه السلام) ليتنازل عن عزمه في ذات الله ما لم يربأ عن دنيا القوم ليتعالى إلى ذاته المحمّدية يوم لم يساوم محمّد (صلى الله عليه و آله وسلم) قريشاً على دعوته مقابل أن يتنازل عن رسالته أو جزء منها.
إنّه محمّدٌ (صلى الله عليه و آله وسلم)ينطوي في ذات عليّ(عليه السلام)ليعرّي طموح قريش في ساداتها وكبرائها الذين لا هَمَّ لهم إلاّ الإمارة، ولا شغل لديهم غير التسلّط والجبروت والتحكّم في رقاب الناس.
ها هي قريش بدر تنازع محمّداً (صلى الله عليه و آله وسلم) في سلطانه لتعيدها جذعة في جمل المرأة وعير قريش عند طلحة والزبير، فتتناثر أشلاء البصريين دفاعاً عن جملهم الذي رغى فأحدقوا به تعبداً يذودون بأنفسهم عنه، وبعد حين يُعقر ذلك الجمل السامري بعد رغائه لتُعقر معه الآلاف من أولئك الذين دافعوا عن حرائر سلطانهم وعرضوا حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) في ميدان مواجهة خاسرة راح ضحيتها اُلوف مؤلّفة من اُولئك المغفّلين، أو ذوي المطامع الذين استهوتهم لعبة السياسة ومساومات السلطان.
وتنتهي الجمل بما انتهت إليه من نهاية مأساة لا حصر لضحاياها، وهزيمة تلاحق رجالاتها، ثم تُعاد صفين في مناجزاتٍ خاسرة يُهزم فيها الشاميون ويكاد سلطانهم تسحقه خيول الكوفيين بقيادة مالك الأشتر الذي شارف على حسم النصر لصالح عليّ(عليه السلام)، ولم تزل جماجم الشاميين تتطاير بما تتطاير معها أخبار الهزيمة لمعاوية الذي نفدَ لديه كل شيء سوى عمرو بن العاص، ذلك الرجل الذي يقودُ الأحداث بخطام المكر وزمام الخديعة، فيرسلها عرجاء دون أن تقوم على قائمة الرضا من تقوى الله سوى المكيدة والدسيسة، ويشاطره صاحبه الأشعري أبو موسى الذي عيّنته أهواء الغوغاء من جيش عليّ(عليه السلام) على أن يكون مفاوضاً قُبالة عمرو بن العاص في مكيدة رفع المصاحف.
فالشاميون كانوا لا يستمعون لعليّ(عليه السلام) وهو يحاججهم بالقرآن ويحتكم إلى كتاب الله في الكفّ عن دماء المسلمين التي اُريقت من أجل حقٍّ مزعومٍ يدّعيه ابن أبي سفيان في الحكم لنفسه، فلمّا أوشكت الحرب أن تضع أوزارها لصالح عليّ(عليه السلام) وأنّ الهزيمة تلاحق معاوية، عمد عمرو بن العاص إلى رفع كتاب الله على رؤوس الرماح شاهراً صوته :«بيننا وبينكم كتاب الله» فأصغى له هؤلاء الضعفة من الكوفيين وصدّقوه على مكيدته.
ولم يكن لدى عليّ(عليه السلام) سوى الانصياع كرهاً إلى سفه الغلبة الغالبة على رأيه الذي لا يُطاع، وهذا شأن القدّيس حيث يحظى بأتباعٍ صمٍّ لا يعقلون، يبخسون حظه، ويهدرون رأيه، ويتبعون أهواءهم دون مسكة من دين، أو حظوة من عقل فيقودونه حسب أهوائهم.
ولم يجد عليٌّ(عليه السلام) إلاّ وسيوف بعض أصحابه مشهرةً على رأسه يطالبونه بالانصياع لتحكيم ابن أبي سفيان كتاب الله، وقد نسوا أنّ عليّاً أول من طالب القوم بالاحتكام إلى كتاب الله، فلما رأى عليّ غلبة الغوغاء على رأيه خشي أن تراق الدماء حتّى يعرف الحقّ أهله، أو يعرفون الحقّ اُولئك الذين تدفعهم حماقاتهم أن يجتهدوا برأي لم يحسنوا هم عواقبه حتّى يذوقوا وبال أمرهم، وعاقبة مغبّتهم.
رضي عليّ(عليه السلام) على مضضٍ وهو يعلم عاقبة الأمر، ولكن «لارأي لمن لا يطاع» كما كان يصرّحها مراراً، فلمّا حظي ابن العاص بمكيدته قدّم أبا موسى الأشعري للكلام بحجة سابقته في الإسلام وسابقته في السن.
ولم يكن أبو موسى الأشعري قد حمل أمانة المفاوض وحكمة المدبِّر في توخّي الحقّ ومدافعة الباطل والاجتهاد بما تحفظ معه حرمة الدين، ولم يُستمع لحقّ عليّ(عليه السلام) بقدر ما استمِع لمكيدة ابن العاص، فإنّ عليّاً أوصاه بتقوى الله والاحتكام إلى كتابه، وابن العاص غرّره بنزع صاحبه وخلع طاعته، كما هو سيخلع صاحبه ابن أبي سفيان.
ولم يكن أبو موسى الأشعري إلاّ حماقة يمثلها رجلٌ بطينٌ بسفاهة الغوغاء، يكتنز على همجية المتسكّعِ في زوايا الأحداث السابقة، ليروي نتفاً من أحاديث يسمعها من هذا ويتلقاها من ذاك، لينسبها إلى نفسه في سماعه حديث رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم).
هكذا كان أبو موسى الأشعري مهذار حديث لايبتغي سوى  التزلّف إلى الخليفة الثاني ليحصل على ولاية، أو يجني ثماره تقرّبه لعثمان في حديث مقابل صرةَ مال، ولأبي موسى هذا قابلية التمثيل لإجادة دور الزاهد في الدنيا العائف للذائذها، فيستهوى دوره هذا أهلُ السفَه والرعاعِ، فينخدعون ببطنه الذي عظم على موائد الحكام، ولحيته الكثة التي ترهّلت كأنها شباكٌ تتصيدُ السفهة، وتقتنصُ الأحداث.
هذه هي صورةُ أبي موسى الأشعري عندما يعتلي المنبر ليُعلن خلعه عليّاً(عليه السلام) ويوغل في تفرّق الناس عنه، ويفتضح أمر خيانته بعد أن جنى صاحبه ابن العاص طاعته لمعاوية ابن أبي سفيان، فأوصى الناسَ اتباع صاحبه وأنه على حقّ في مطالبته بسلطانه، وأنه لا يرى لعليّ(عليه السلام) الحقّ في مقاتلة ابن أبي سفيان.
هذه هي غوغاء الناس تتزعمها سفاهة أبي موسى الأشعري، أو قُل خيانته، فإنّ ابن أبي سفيان جديرٌ برشوة الناس على حساب دينهم، وأبو موسى الأشعري جديرٌ في قبول الرشوة على حساب دينه لدنيا غيره، فخسرت صفقة الراشي، وشُلّت يد المرتشي، وهكذا يحمل أبو موسى الأشعري هزيمة الطامع حينما تغالب الإنسان نفسه نزواتها دون أن ينظر إلى وبال ما يرتكبه من خسةِ الطمع، فيحتال لنفسه معاذير الجناية ووهم حقّ ما ارتكبه، بل يمتدُ الأمر حتّى يحتاج أقلام الذين أرّخوا لهذه الحادثة وأمثالها، فيرتكبون ما يرتكبه هؤلاء من حماقات تُراق معها الدماء وهي لاتزال في حماية معاذيرهم وفي ظل أقلامهم سعياً لطمس الحقيقة وتشويه الوقائع.
ويرجع عليٌّ(عليه السلام) بخيبة أصحابه، وحماقات الآخرين، ليحمّلوا بعد ذلك أوزار الخطيئة عليّاً(عليه السلام) وليطالبـوه بجنايـة أبي موسى الأشعري ويحمّلوه مسؤولية خيانته بعد أن اختاروا أبا موسى حكماً فرضوه بعد رفضِ عليّ(عليه السلام) عالماً بما ستؤول له الاُمور، وهو مع هذا يحمّلونه أوزارهم، وأوزار أوزار الناكثين.
ولم يزل عليّ(عليه السلام) يكابد بمظلوميته هذا الانشقاق الجديد، والفتق الذي لا يرتقه سوى السيف، بعد أن خرج عليه اُولئك «الخوارج» في وقعتهم الظالمة في نهروان الفرات، وعلى ضفاف معارف صفين تنبثق صفين اُخرى باسم >النهروان<، فتستعر أوار الحرب لتسجّل مطحنة ثالثةً تطحن معها هؤلاء الخارجين فلايبقى إلاّ بضعة منهم ينهزمون بجريرتهم إلى غير رجعة..
وتبقى دسائس «الخوارج» بعد هزيمتهم يمنّون أنفسهم بالنصر على حساب الدين، وبالغلبة على حساب المبدأ،لا يلوون على أمرٍ فيه تفريق الاُمّة إلاّ وبادروه، أو الانخذال عند الوثبة في نصرة الحقّ إلاّ أوهنوه، فهم مجموعون على شتات الرأي في التفرّق عند الوثبة، ينظرون إلى عليّ(عليه السلام) كما ينظرون إلى معاوية، فالحكم عندهم سواء وشعارهم «لا حكم إلاّ لله» لا يحسنون منه إلاّ إباحة الحرمات، وهتك الأعراض، وقتل النفوس، فإن الكل عندهم ينوء بإثمه، فيرجعون الأمر إلى الله من غير هدى، ويقودون الاُمة إلى مهاوي الردى، فاتفقت كلمتهم على ضلالة معاوية وعليّ(عليه السلام)، وتفرّقوا من حيث هم مجتمعون على أن يحكّموا السيف في رقاب المسلمين، فيقتلون من نال سيفهم منه.
وكان لعبدالرحمن بن ملجم المرادي سوء الطالع في  التعرّف على فاتنةٍ خارجية هي قطامُ بنت الأخضر أخذت هذه بمجامع قلبه واستهوته فيما عرضت عليه محاسنها، وأرخت له سترها، دون أن تمكّنه من نفسها ما لم يمكّنها من دينه، على أن تُعطيه ما تستهويه نفسه من مواقعتها حتّى يواقع رغباتها في قتل عليّ(عليه السلام)، ذلك الصداق الآجل لأمرٍ عاجلٍ، عجّلت به نزوة ابن ملجم في تنفيذه، ولم تمر أيام حتّى كان سيف بن ملجم المرادي بشقاوته يفلق رأس عليّ التقوى في محراب العبادة مضرّجاً بدمائه منادياً:
«فزت وربّ الكعبة» ...
أجل فقد فاز عليّ(عليه السلام) بتقواه، وخسر مناوؤه بمكرهم، وسعدَ عليّ(عليه السلام) بمبادئه، وشقي أعداؤه بغيّهم، وفرقٌ بين الفوز والخسران، وبين السعادة والشقاء، فعليّ(عليه السلام) فاز حينما كان للفوز مبدأٌ يمثّلهُ عليّ(عليه السلام)، فعليّ حفظ للفوز مبدئه ومنتهاه، وانتصرت السعادة حين كان للإنسان حظُ الانتصار للقيم، محفوظة في مبادئ الخير والصلاح وقد مثّلها عليّ(عليه السلام) في مبدئه ومنتهاه.
ويُحمل عليّ(عليه السلام) من محراب العبادة إلى محراب الخلود، ليقيم ثلاثاً على فراشه يُغشى عليه ساعةً بعد ساعة، وهو يوصيهم بتقوى الله والإحسان إلى الضعفة من الناس، حتّى شملت وصيته بالإحسان أو العفو عن عدوّه عبدالرحمن بن ملجم، بل كان يناصفه ما كان يطعمه أهله أو يسقيه أبناءه.
فإنّ في عُرف عليّ(عليه السلام) رحمة العفو عن أعدائه، كما هو الإحسان إلى أتباعه، والإحسان إلى مناوئيه، حينما تشحُّ النفوس بالإحسان حتّى إلى من أحسن إليها، هكذا هو عليّ(عليه السلام) في حياته كما هو قُبيل وفاته، وها هو منبر وعظه في صلاته كما هو منبره على فراش المرض يكابد الموت، ويصارع آلامه من ضربة عدوّه كما صارع أحزانه من شقاوة قومه.
وتتصاعد روح عليّ(عليه السلام) إلى حيث الخلود الأبدي، وترتفع إلى بارئها كما هي تسمو خيراً، وتطفحُ هدى، وتفوح عبير صلاح.
ويُدرج عليّ(عليه السلام) في أكفانه، كما يدرج في ذاكرة التاريخ ليحفظ له شخصية القائد، والإمام، ومن ثَمَّ خلافة الرسول حقاً وصدقاً وعدلاً.
ويبكيه أعداؤه قبل مريديه، فقد كابد عليٌّ(عليه السلام) ما لم يكابده غيره من المصلحين، وينثالُ القوم على خليفته الحسن(عليه السلام)، ذلك الذي سيمثّل دور الوالد في المحن كما يمثلها في القيادة والإمامة والخلافة، فإنّ الحسن(عليه السلام) الإمام الممتحن، والخليفة الممتهن حقّه والمغصوب إرثه، ضمن حقبة تاريخ مليئ بالمفاجئات والمفارقات التي يشهدها تاريخ، ولم يزاولها قائد كما كابدها الحسن بن عليّ(عليهما السلام) ذلك المقهور الممتحن.
____________________
(1) السيرة النبوية لابن هشام: 4/236.
(2) السيرة النبوية لابن هشام: 4/236 .
(3) المصدر السابق: 237.
(4) المصدر السابق: 237.
(5) اُنظر الطبري في تاريخه: 2/449.
(6) تاريخ الطبري: 2/ 458.
(7) تاريخ اليعقوبي: 2/123.
(8) تاريخ مختصر الدول لابن العبري: 98.
(9) لمزيد من المعلومات عن تأسيس الكوفة راجع كتاب أنصار الحسين(عليه السلام) للمؤلّف.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page