• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تحليلٌ لفصول الخطبة وبنود البيان

هكذا كانت بلاغة الناعي لأبلغ منعيّ .. وإذا كانت وراثة الحسن من أبيه خلافة الاُمة، فإنّه لا يعدوه في قيادة القلوب، وإمامة النفوس، بليغاً جديراً، وفصيحاً قميناً بمنصب ضنّت عليه العظمة منذ أن رحل عليٌّ(عليه السلام)، وشحت عليه اللياقة منذ أن تنازعته النفوس، وغلبت عليه سطوة الملك، ومغالبة السلطان بالمنازعة مرّة وبالوصية اُخرى، وبالشورى ثالثة.
ولم يكن الحسن(عليه السلام) إلاّ عليّا(عليه السلام) في سمته وتقواه، وفي شجاعته وهيبته، فقد أورثه النبيّ سؤدده وهيبته. فإذا رآه الرائي لايراه إلاّ شديداً في مجالدة المحن والخطوب، كما كان عليٌّ(عليه السلام) ثابتاً في عزيمته، رابط الجأش، شديد الشكيمة أحكم عقد عزيمته بعد بيعته، فرتّب عمّال البلدان فوراً، فأقرّ هذا وأرسل ذاك، وأمّر اُمراء الأقطار، ووزّع مهام الأقاليم، وأنفد عبد الله بن عباس فوراً إلى البصرة، ثمَّ نظر في اُمور دولته : «فرتّب العمال وجنّد الجنود وفرق العطيات»(1)  .
كان حكيماً، شديد المراسِ، لا يلويه أمرٌ عن أمر، ولا تُثنيه مسألة عن عزم، فهو الآن عازم على تشكيل دولةٍ نهبتها حروبٌ ثلاث، وإدارة أفسدتها رشوة الانخذال، فعليٌّ الإمام كان مشغولاً بصدّ عادية القاسطين، وطيش الناكثين، وبلبلة المارقين. وكانت حروبه تتابع بعضها بعضاً، وفتن أعدائه تتدافع كقطع ليلٍ بهيمٍ في وضح نهار عدله، فمتى والحال هذه يَعيرهُ هؤلاء المخذولون مسكة عظمته، ليديل لهم دولة الحقّ تقارع ما عجز عنه الأولون، وما لايلحقه الآخرون.
وفي ثنايا خطابه البليغ تجد عزمات قلب يسمو، ليحكي تاريخ رسالة يُنازِعُ وثنية الجاهلية كما هي اليوم تنازع وثنية قبلية، وكان حكيماً في اقتطافه لآيات القرآن، ليدلل بها على امتداد  القرآن فيه كما كان من قبل في راحله العظيم. ولتقرأ بعض ما جاء في بيانه من اُمور:
أولاً: افتتح خطابه ببيان النعي، وقرأ لهم تاريخ سيرة جهاد، وملحمة بطولة كان عليٌّ(عليه السلام) يصنعها في ظل رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)، وإذا كان جهد عليّ(عليه السلام) هذا فإنّه جهد نبويّ ـ سماوي حيث قال(عليه السلام): «فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتّى يفتح الله على يديه».
فقد نوّه أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يمثّل النبوّة بتسديد السماء، فلم يكن مقاتلاً تقليدياً، غير أنّه محارب إلهي يُظهر سطوة النبوّة في رهبة السماء.
ثانياً: قرن ليلة وفاة والده بليلة عروج عيسى إلى السماء ورحيل يوشع بن نون وصي موسى.
إنّه نعيٌ عظيم يربط فيه الحسن بن عليّ(عليهما السلام) رحيل والده بهذين الحدثين اللذين لهما دلالتيهما، فعيسى خذله أصحابه وغدر به قومه حتّى رفعه الله إليه بعد أن لم يكن هؤلاء القوم جديرين بعيسى(عليه السلام)، ذلك المصلح العظيم، فلم يطيعوه، ولم يتبعوه، بل خذلوه وتآمروا عليه حتّى كادوا أن يقتلوه، وعليٌّ(عليه السلام) في قومه كعيسى في بني إسرائيل، مخذول القوة، مقهور الرأي، مغلوب الأمر، فكم بين المصلحين من قرب في الموقف، بل قُل في المظلومية من قومهما، وكم من التماثل بين أولئك الذين لا يفون بحقّ المصلحين؟
هذا شأن المصلح في قومٍ لا يعرفون قدره فيجهلون مقامه، ثمّ يرفعه الله إليه، فقد رفع الله عليّاً(عليه السلام) إليه بعد ما عانى من قومه، كما رفع الله إليه عيسى حينما أذاقوه مرارة التشتّت والضياع.
وليست معاناة عليٍّ(عليه السلام) بأقل ممّا عاناه يوشع وصي موسى، فإنّ قومه أنكروا وصايته وقاتلوه، ونازعوه حقّه وأوتروه، فجاشت عليه جيوش المنازعين له والمنكرين حقّه، حتّى أنّ إحدى نساء موسى(عليه السلام) على ما روي أنها قادت جيشاً تنازع يوشع وصيّه وتماريه في حقه، تماماً كما فعلت صاحبة الجمل مع عليّ(عليه السلام) يوم نازعته أمره وأنكرت حقّه.
كان الحسن بن عليّ في خطبته يربط الحاضر بالماضي، ويستشرف من الماضي الممتحن على الحاضر الذي اعتورته أهواء الطامعين، بل يطلُّ على مستقبل مليئ بمفاجئات اُولئك الغاوين بهوس السلطان وزبرجة الملك.
ثالثاً: أبدى الحسن زهد والده، وعزوفه عن دنيا ينازعه فيها أهل المطامع الذين يرجون عطاء غير ما كان يقسّمه عدلاً بين الجميع، فقد أرادوا عطاء يميزهم عن ضعفة الناس لأنهم وجوه القوم يترفعون عن عطاء الضعفة في المساواة بينهم، ويرون ذلك منازعة لسلطانهم الموهوم، فساوموا عليّاً(عليه السلام) بين أن يزيدهم في العطاء أو ينازعونه في السلطان، وهو بعد ذلك لم يترك بيضاء ولا صفراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه، هذا هو عليّ(عليه السلام) في حياته، زهد الخليفة وورع الإمام، وليس ما يدعيه غيره يشيّدون فيه قصوراً تناطح بعضها بعضاً تطاولاً على مال المسلمين الذين يؤسّسه أهل السلطان على حساب الحقّ، كما يؤسّسون ملكهم على جماجم الأبرياء.
رابعاً: أعلن هويته التي لا تخفى انتساباً، وحسبه الذي لا يتطاول أحدٌ إليه شرفاً وفخراً، فهو ابن البشير وابن النذير وابن الداعي إلى الله وابن السراج المنير.
فالبشارة لمن تبعه وأطاعه، والإنذار لمن خالفه وعصاه، فإمامته مربوطة برسالة جدّه رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)، فكل مهام جدّه ورثها سبطه الخليفة بشارة ونذارة، وهو في دعوته لدى خلافته كدعوة جدّه إبّان نبوّته، إذن فهو السراج الذي ينير الطريق حين تتشابك الأهواء وتختلف الآراء، عندها تدعو الحاجة إلى من يرشدكم أيها الناس إلى الطريق اللاحب في ليالِ فتن دهماء، سوف تأتيكم كقطع الليل المظلم، فبسراج الولاية والطاعة لنا سوف تهتدون ولا تضلّون.
خامساً: فهو كما ينتسب إلى جدّه حسباً وشرفاً، ينتسب إلى كتاب الله في آياته مصداقاً لا يعدوه كما هو لم يعدُ جده وأباه واُمّه وأخاه، فتلا آيات الله التي لا ينازعه أحد في تفسيرها، ولا رأي في تأويلها إلاّ فيه وفي أهل بيته، فهو ممّن أذهب الله عنهم الرجس فأثبت بذلك العصمة، وهو ممّن أوصى الله بمودّتهم فأثبت بذلك الطاعة، فجمع في هاتين مجامع الإمامة، ومكامن الخلافة دون سواه.
ولم يكن الحسن(عليه السلام) في خطبته هذه إلاّ منظّراً للإمامة ومبيّناً للخلافة دون سواه، وقد قرأ تاريخ أنبياء وملاحم أوصياء في حاضر أبيه وحاضره، وعرّفهم بأنه بضعةٌ من رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) نسباً وإمامةً وخلافةً.
___________________
(1) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 2 / 719  .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page